الحب الزيجي
لعلك شاهدت يوماً منظراً انطبع بعمق في ذاكرتك عندما رأيت زوجين حديثي الزواج وقد انفردا معاص في جلسة هادئة أو نزهة لطيفة... أو آخرين قد مضى على زواجهم سنيناً طويلة وأحدهم يؤنس الأخر ويلاطفه في ضيقة يمر بها.. بل وأحياناً يجلسان معاً في هدوء صمت ولكن سر الحب يشع من قلبيهما لأن زمان الكلام قد انتهى وبقي لهيب الإلهي الزوجي سعيراً ملتهباً لم تستطع أحداث الحياة وهموم الدنيا وتحديات الأيام أن تجعله يخبو أو تنطفئ جذوته..
إن الحب الطاهر بين الرجل والمرآة اهو سر من الأسرار العجيبة التي خلقها الله في حياة الإنسان. إنه سعادة للإنسان ودفء له وسط Female "
يدقش
ثلوج الحياة المتراكمة.. إنها متعته وسط هموم الدنيا وأتعابها..
كيف يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً؟!... إنه معنى عميق فيه الالتقاء والانتقاء والشركة. لقد انتقاها وأحبها والتزم بها. وصنع معها وحدة زيجية تفيض حباً وفرحاً... لهذا قال الكتاب إن الله خلق الإنسان على صورته ومثاله، فمع عن الله ليس ثلاثة أشخاص منفصلة، ولكنه ثلاثة أقانيم متحدة في جوهر واحد، ومن خلال هذه الشركة يحيا الأب مع الكلمة الابن والروح القدس في ألفة المحبة الإلهية التي تعلو على كل إدراك وقياس. هكذا الإنسان مخلوق على نفس الصورة – مع الفارق الشديد – إذ إن سعادته لا تكتمل إلا في جو من الشركة مع الأخر.
فعندما يشب الطفل ويجد أباه وأمه واحداً في الروح والفكر والقلب والاهتمام يدرك شيئاً عن محبة الله ويفهم شيئاً من قصد الله في تكوين الأسرة. إن الطفل لا ينمو بلبن الرضاعة فقط بل بحليب الحنان والحب... لا يشبعه ما يدخل جوفه من خلال فمه فقط بل ينتعش أكثر من خلال قبلات والديه وابتساماتهم وصدرهم المملوء حناناً وحباً وفرحاً بوجوده...
نعم، في الأسرة يقتني الطفل اختباراته الأولى في الحياة، إنها خبرة الحب العظيم والتفاني الدائم.. وهذه هي الهدية العظيمة التي ينعم بها الله على الأطفال، كما إن الأطفال أنفسهم هم هدية الله للوالدين، لأنه فيهم يلتقي القلبان وتتحد الأفئدة والأرواح وتدعم الشركة والوحدة ويلتهب الحب بالنار التي ألقاها الرب على الأرض وأرادها أن تضرم.
هيا بنا لتلمس أثر هذا الحب الزيجي الذي غرسه الله في قلب كل إنسان...
قد لا تشعر في هذا السن الذي أنت فيه بإحساس خاص تجاه شخص من الجنس الأخر إما لنظرتك الطاهرة في التعامل مع الجميع منهم؛ وقوة إرادتك في عدم الاستهواء لأحد، أو لعدم تواجد الفرص للتعامل معهم... لا تنزعج لهذا... إنه شئ طيب..
ولكني أريد أن أقول للبعض الذي بدأ يحس بتعلق عاطفي، إن هذا الذي نبت في داخله ليس هو الثمرة الناضجة التي ينبغي أكلها وذلك لأسباب ينبغي أن نطرحها للبحث والمناقشة بوضوح..
إننا نسأل هذا الفتى أو تلك الفتاة: ما هي المقاييس التي بنيت عليها إعجابك بالشخص الأخر؟! إنها غالباً ما تكون مقاييس سطحية ليست هي التي على أساسها يختار الشخص الناضج شريك حياته.. ما أدراك بطباع تلك الفتاة ذات الملامح الجميلة؟! وماذا تعرفين عن ذالك الفتي ذو الجسد المتناسق والوجه الوسيم؟!
بل أريد أن أقول أكثر من هذا، إنه حتى لو كان إعجابك بالشخصية تجاوز حد السمات الجسمية والعاطفية وكان إعجاباً عميقاً؛ فأنت لا تعرف إن كان سيظل هذا الإعجاب قوياً ومستمراً مع مرور الزمن وتغير الظروف والأحوال الخارجية والداخلية حتى يأتي سن الزواج الذي يتأخر بتعقد الحياة والظروف الاقتصادية والاجتماعية والعلمية المتلاحقة.
ثم أنت تتغير داخلياً حسبما يؤكد رجال علم النفس، فلكل مرحلة نمو سيكولوجيتها وسماتها، فما كنت تختاره من ملابس في المرحلة الثانوية ترفض أن ترتديه وأنت على أعتاب نهاية المرحلة الجامعية، فما يروق لك اليوم ينمو ويتطور ويتعدل، خاصة إذا كان النمو النفسي والروحي طبيعياً لا انحراف فيه..
إنها مرحلة لابد أن تنمو فيها مفاهيمك ومقاييس إعجابك بالأمور. فهل من الحكمة أن ترتبط منذ الآن بشخص لمدة سنوات طويلة لا تعلم ماذا سيصادفك فيها من خبرات وتحديات؟!
بل وحتى إن إفترضنا ثباتك على رأيك طوال السنوات الطويلة القادمة فسوف يكون الوضع أسوأ. فماذا تتوقع أن يكون حال عواطفك خلال تلك الفترة؟! إنها مشاعر ولهانة، ولو إفترضنا نموها، فأن هذا النمو سيكون نوعاً من الاحتراق الداخلي وتعذيب النفس، هذا على أحسن احتمالات، إذ من الممكن أن يقود هذا للزنى وممارسة العادات الجنسية المنحرفة.
إذ حتى لو إحساسك بالأخر ظاهرة غير نجسة فأنه من الأفضل للطرفين أن يكبحا جماح نفسيهما.. لا تبح سرك لأحد إلا لأب اعترافك كي يصلي من أجلك كي يرفع الرب عنك الحرب أو يمنحك الإرادة لتصبر حتى تنضج وتأتي الساعة المعينة من الرب لتحقيق شركة الحب الزيجي. فأحرص على ألا تختلي بالأخر ولا تلعب بعواطفة وتثيرها لئلا تعثرة وتعثر نفسك أيضاً. سلم هذه الطاقة المقدسة للرب وأستودعها في يد راعي الرعاة الاعظم الذي يدبر حياتك ويعرف الصالح ويمنحه في حينه الحسن.. إنه يفتح ولا أحد يغلق، ويغلق ولا أحد يفتح.. طوبى لمن أمن وسلم حياته لمن بيده مفاتيح الحياة...
لقد تسلم لنا من الآباء إن الحب الزوجي ليس نوعاً من الغراميات، إنه حب واقعي روحي ملتزم (اقرأ مقالاً آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وهو حي طاهر لا يتجه إلي الجسد وحده ليتلهى به ويلتذ، وإنما يلتقي بالأخر على مستوى الشخص كله بكيانه الروحي والنفسي والعاطفي والفكري والجسدي... وهو حب نامي يبدأ حاراً في الخطوبة السعيدة ولا تطفئه إحباطات الحياة ومصادمات الشركة واختلافات الطباع والأفكار. بل هو حب يتجاوز كل هذه الصعاب لأنه حب إلهي أمكن أن ينتهي، ما كان حباً يوماً.. وهو حب عميق يجد في إتحاد الجسدين تعبيراً عن الداخل. إنه لغة ووسيلة وصال... وإن تعذر اللقاء الجسدي لظروف طارئة في الحياة الزوجية كالسفر لبعثة أو المرض مدة، فأن هذا لا يهدد الوحدة لأن الحب ليس هو الجنس، بل إن الجنس هو تعبير عن الحب.
إن هذا لا يهدد الوحدة الصادقة لأن "ما جمعه الله لا يفرقه إنسان"..